فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الآية.
لا يخفى أن أصل مرجع الضمير هو الأحد الدائر بين التجارة واللهو لدلالة لفظة أو على ذلك ولكن هذا الضمير رجع إلى التجارة وحدها دون اللهو فبينه وبين مفسره بعض منافاة في الجملة.
والجواب أن التجارة أهم من اللهو وأقوى سببا في الانفضاض عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم انفضوا عنه من أجل العير، واللهو كان من أجل قدومها مع أن اللغة العربية يجوز فيها رجوع الضمير لأحد المذكورين قبله.
أما في العطف فواضح لأن الضمير في الحقيقة راجع إلى الأحد الدائر الذي هو واحد لا بعينه.
كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} وأما الواو فهو فيها كثير.
ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا} الآية- وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}- وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا}الآية- وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْه} الآية- ونظيره من كلام العرب قول نابغة ذبيان:
وَقَدْ أَرَانِي وَنُعْمًا لاَهِيَيْنِ بها ** وَالدَّهْرُ والعَيْشُ لَمْ يَهْمُمْ بِإِمْرارِ

. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الجمعة:
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
قوله: {الملك}: هذه قراءة العامَّة أعني جرَّ {الملِكِ} وما بعده نعتًا له والبدلُ ضعيفٌ لاشتقاقِها. وقرأ أبو وائل ومسلمة ابن محارب ورؤبةُ بالرفعِ على إضمار مبتدأ مُقْتَضٍ للمدح. قال الزمخشريُّ: ولو قرئ بالنصب على قولهم الحمدُ الله أهلَ الحَمْد. لكان وجهًا. وقرأ زيد بن علي {القَدُّوس} بفتح القاف. وتقدَّم الكلامُ عليه وعلى الأمِّيِّ والأمِّيِّين جَمْعِه. و{يَتْلُوا} وما بعده صفاتٌ لرسول.
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
قوله: {وَآخَرِينَ}: فيه وجهان، أحدُهما: أنه مجرورٌ عطفًا على الأمِّيِّيْنَ، أي: وبَعَثَ في آخرين من الأمِّيِّيْنَ. و{لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} صفةٌ لـ: {آخرين} قبلُ. والثاني: أنه منصوبٌ عَطْفًا على الضمير المنصوبِ في {يَعَلِّمُهم}، أي: ويُعَلِّمُ آخرين لم يَلْحقوا بهم وسيَلْحقون، وكلُّ مَنْ يَعْلَم شريعةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى آخرِ الزمان فرسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلِّمه بالقوة؛ لأنه أصلُ ذلك الخيرِ العظيمِ والفَضْل الجَسيمِ.
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)}
قوله: {حُمِّلُواْ التوراة}: هذه قراءة العامَّةِ. وقرأ زيد بن علي ويحيى بن يعمر {حَمَلوا} مخففًا مبنيًا للفاعل.
قوله: {كَمَثَلِ الحمار} هذه قراءة العامَّةِ. وقرأ عبدُ الله {حِمارٍ} منكَّرًا. وهو في قوة قراءة الباقين؛ لأنَّ المراد بالحمارِ الجنسُ. ولهذا وُصِفَ بالجملة بعده كما سيأتي. وقرأ المأمون ابن هارون الرشيد {يُحَمَّلُ} مشدَّدًا مبنيًا للمفعول. والجملة مِنْ {يَحْمِلُ} أو {يُحْمَّلُ} فيها وجهان، أحدُهما: وهو المشهورُ أنَّها في موضع الحال من {الحمار} والثاني: أنَّها في موضع الصفةِ للحمار لجريانِه مَجْرى النكرة؛ إذ المُرادِ به الجنسُ. قال الزمخشري: أو الجرِّ على الوصفِ؛ لأنَّ الحمارَ كاللئيمِ في قوله:
ولَقد أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني

وقد تقدَّم تحريرُ هذا، وأنَّ منه عند بعضِهم {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ} [يس: 37] وأنَّ {نَسْلَخُ} نعتٌ لـ: {الليل}. والجمهورُ يَجْعَلونه حالًا للتعريف اللفظي. وأمَّا على قراءة عبد الله فالجملة وصفٌ فقط، ولا يمتنعُ أَنْ تكونَ حالًا عند سيبويه.
والأَسْفار: جمعُ سِفْرٍ، وهو الكتابُ المجتمعُ الأوراقِ.
قوله: {بِئْسَ مَثَلُ القوم} فيه أوجهٌ، أحدها: وهو الظاهرُ المشهور أنَّ {مَثَلُ القوم} فاعلُ {بِئْس}. والمخصوصُ بالذَّمِّ الموصولُ بعده فَيُشْكِلُ؛ لأنه لابد مِنْ تصادُقِ فاعلِ نِعْم وبِئْسَ والمخصوصِ، وهنا المَثَلُ ليس القومَ المكذِّبين. والجواب: أنَّه على حَذْفِ مضافٍ، أي: بِئْسَ مَثَلُ القومِ مَثَلُ الذين كَذَّبوا. الثاني: أنَّ {الذين} صفةٌ للقوم فيكونُ مجرورَ المحلِّ، والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ لِفَهْمِ المعنى تقديره: بِئْس مَثَلُ القومِ المكذِّبين مَثَلُ هؤلاء، وهو قريبٌ من الأولِ. الثالث: أنَّ الفاعلَ محذوفٌ، وأنَّ مَثَلَ القومِ هو المخصوصُ بالذِّم، تقديرُه: بِئْسَ المَثَلُ مَثَلُ القوم، ويكونُ الموصولُ نعتًا للقوم أيضًا، وإليه يَنْحو كلامُ ابنِ عطيةً، فإنه قال: والتقديرُ: بِئْسَ المَثَلُ مَثَلُ القومِ. وهذا فاسدٌ؛ لأنَّه لا يُحْذَفُ الفاعلُ عند البَصْريين، إلاَّ في مواضعَ ثلاثةٍ، ليس هذا منها، اللهم إلاَّ أَنْ يقول بقول الكوفيين. الرابع: أَنْ يكونَ التمييزُ محذوفًا، والفاعل المُفَسَّرُ به مستترٌ تقديرُه: بئس مَثَلًا مَثَلُ القوم، وإليه يَنْحو كلامُ الزمخشريِّ فإنه قال: (بئْسَ مَثَلًا مَثَلُ القوم) فيكونُ الفاعلُ مستترًا، مُفَسَّرٌ بـ: {مَثَلًا}، و{مَثَلُ القومِ} هو المخصوصُ بالذمِّ والموصولُ صفةٌ له، وحُذِفَ التمييزُ، وهذا لا يُجيزه سيبويهِ وأصحابُه البتةَ، نَصُّوا على امتناعِ حَذْفِ التمييزِ، وكيف يُحْذَفُ وهو مُبَيِّنٌ؟
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)}
قوله: {أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ}: سادٌّ مَسَد المفعولَيْنِ، أو المفعولِ، على الخلافِ. و{لله} متعلِّقٌ بـ: {أَوْلياء} أو بمحذوف نعتًا لـ: {أولياء} و{مِن دُونِ الناس} كذلك.
وقوله: {فَتَمَنَّوُاْ الموت} جوابُ الشرطِ. والعامَّةُ بضمِّ الواوِ، وهو الأصلُ في واو الضميرِ. وابن السَّمَيْفع وابن يعمر وابن أبي إسحاق بكسرها، وهو أصلُ التقاءِ الساكنين. وابن السَّميفع أيضًا بفتحها، وهذا طَلَبٌ للتخفيف، وتقدَّم نحوُه في قوله: {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16] وحكى الكسائيُّ إبدالَ الواوِ همزةً.
{وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)}
قوله: {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ}: وقال في البقرة {ولن يتمنَّوْه} قال الزمشخري: لا فرقَ بين {لا} و{لن} في أنَّ كلَّ واحدٍ منهما نفيٌ للمستقبل، إلاَّ أنَّ في {لن} تأكيدًا وتشديدًا ليس في {لا}، فأتى مرةً بلفظ التأكيد {ولن يتمنَّوْه}، ومرةً بغير لفظِه {ولا يتمنَّوْنه}. قال الشيخ: وهذا رجوعٌ منه عن مذهبِه: وهو أنَّ {لن} تَقْتَضي النفي على التأبيد إلى مذهبِ الجماعة وهو أنَّها لا تَقْتَضْيه. قلت: وليس فيه رجوعٌ، غايةُ ما فيه أنه سكَتَ عنه، وتشريكُه بين {لا} و{لن} في نفي المستقبل لا يَنْفي اختصاصَ {لن} بمعنى آخرَ. وقد تقدَّم الكلامُ على هذا بأشبعَ منه هنا في البقرة.
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}
قوله: {فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ}: في الفاءِ وجهان أحدُهما: أنها داخلةٌ لِما تَضَمَّنه الاسمُ مِنْ معنى الشرطِ، وحُكْمُ الموصوفِ بالموصول حكمُ الموصولِ في ذلك. والثاني: أنَّها مزيدةٌ مَحْضَةٌ لا للتضمين المذكور. وأفسدَ هؤلاء القول الأول بوجهَيْن، أحدُهما أنَّ ذلك إنَّما يجوز إذا كان المبتدأُ أو اسمُ {إنَّ} موصولًا، واسمُ {إنَّ} هنا ليس بموصولٍ، بل موصوفٌ بالموصول. والثاني: أنَّ الفِرارَ مِنْ الموتِ لا يُنْجَي منه، فلم يُشْبِهِ الشرطَ، يعنى أنه متحققٌ فلم يُشْبه الشرطَ الذي هو مِنْ شأنِه الاحتمالُ.
وأُجيب عن الأول: بأنَّ الموصوفَ مع صفتِه كالشيءِ الواحدِ، ولأن {الذي} لا يكونَ إلاَّ صفةً. فإذا لم يُذْكَرِ الموصوفُ دخلَتِ الفاءُ، والموصوفُ مرادٌ، فكذلك إذا صَرَّح بها. وعن الثاني: بأنَّ خَلْقًا كثيرًا يَظُنُّونَ أنَّ الفِرارَ مِنْ أسبابِ الموتِ يُنَجِّيهم إلى وقتٍ آخر. وجوزَّ مكي أَنْ يكونَ الخبرُ قوله: {الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ}، وتكون الفاءُ جوابَ الجملة. قال: كما تقول: زيدٌ منطلقٌ فقُمْ إليه. وفيه نظر؛ لأنه لا تَرَتُّبَ بين قوله: {إِنَّ المَوْتَ الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ} وبين قوله: {فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} فليس نظيرًا لِما مَثَّله.
وقرأ زيد بن علي {إنه} دونَ فاء وفيها أوجه، أحدُها: أنَّه مستأنفٌ، وحينئذٍ يكونُ الخبرُ نفسَ الموصولِ كأنه قيلَ: إنَّ الموتَ هو الشيءُ الذي تَفِرُّونَ منه، قاله الزمخشري. الثاني: أنَّ الخبرَ الجملة: {إنَّه مُلاقيكم}. وحينئذٍ يكونُ الموصولُ نعتًا للموت. الثالث: أَنْ يكونَ {إنَّه} تأكيدًا؛ لأنَّ الموتَ لَمَّا طال الكلامُ أُكِّدَ الحرفُ توكيدًا لفظيًَّا، وقد عَرَفْتَ أنه لا يُؤَكَّدُ كذلك إلاَّ بإعادةِ ما دَخَلَ عليه. أو بإعادةِ ضميرِه، فأُكِّد بإعادةِ ضمير ما دَخَلَتْ عليه {إنَّ} وحينئذٍ يكون الموصولُ نعتًا للموتِ، و{مُلاقِيكم} خبرُه كأنه قيل: إنَّ الموتَ إنَّه مُلاقيكم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)}
قوله: {مِن يَوْمِ الجمعة}: {مِنْ} هذه بيانٌ لـ: {إذا} وتفسيرٌ لها قاله الزمخشريُّ. وقال أبو البقاء: إنَّها بمعنى (في)، أي: في يوم. وقرأ العامة: {الجمعة} بضمَّتَيْن. وقرأ ابن الزبير وزيد ابن علي وأبو حيوة وأبو حيوة وأبو عمروٍ في روايةٍ بسكونِ الميم. فقيل: هي لغةٌ في الأولى وسُكِّنَتْ تخفيفًا، وهي لغةُ تميم. وقيل: هو مصدرٌ بمعنى الاجتماع. وقيل: لَمَّا كان بمعنى الفعل صار كرجل هُزْأَة، أي: يُهْزَأ به، فلمَّا كان في الجمعة معنى التجمُّع أُسْكِن؛ لأنه مفعولٌ به في المعنى، أو يُشْبهه فصارَ كهُزْأَة الذي يُهْزأ به. قاله مكي، وكذا قال أبو البقاء: هو بمعنى المُجْتَمَع فيه مثلَ: رجل ضُحْكَة، أي: يُضْحك منه. وقال مكي: يجوزُ إسكان الميم استخفافًا. وقيل: هي لغةٌ. قلت: قد تقدَّم أنها قراءة، وأنها لغةُ تميم. وقال الشيخ: ولغةٌ بفتحِها لم يُقرأ بها. قلت: قد نقلها قراءة أبو البقاء فقال: ويقرأ بفتح الميم بمعنى الفاعِل، أي: يومَ المكان الجامع. مثلَ: رجلٌ ضُحْكَة، أي: كثيرُ الضَّحِك. وقال مكي قريبًا منه، فإنه قال: وفيه لغةٌ ثالثةٌ بفتح الميم على نسبةِ الفعل إليها، كأنَّها تَجْمع الناسَ كما يُقال: رجلٌ لُحَنَة، إذا كان يُلَحِّن الناس، وقرأة، إذا كان يُقْرِئُ الناس. ونقلها قراءة أيضًا الزمخشري، إلاَّ أنه جعلَ الجُمْعةَ بالسكون هو الأصلَ، وبالمضموم مخفَّفًا منه فقال: {يوم الجُمعة}: يوم الفوجِ المجموعِ كقولهم: ضُحْكَة للمضحوك منه. و{يومُ الجُمعة} بفتح الميم: يومُ الوقتِ الجامعِ كقولهم: ضُحَكة ولُعَبة، و{يومُ الجُمُعة} تثقيلٌ للجُمْعَة كما قيل: عُسُرة في عُسْرة وقرئ بهن جميعًا. وتقديرُه: يوم الوقتِ الجامعِ أحسنُ من تقدير أبي البقاءِ: يوم المكانِ الجامعِ؛ لأنَّ نسبةَ الجمعِ إلى الظرفَيْن مجازٌ فالأَوْلى إبقاؤُه زمانًا على حالِه.
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
قوله: {انفضوا إِلَيْهَا}: أعاد الضمير على التجارة دونَ اللهو؛ لأنها الأهمُّ في السبب. قال ابن عطية: وقال: إليها ولم يقل: إليهما تَهَمُّمًا بالأهمِّ، إذ كانَتْ هي سببَ اللهوِ ولم يكن اللهوُ. سبَبَها. وتأمَّلْ أنْ قُدِّمِتْ التجارةُ على اللهو في الرؤية؛ لأنها أهمُّ وأُخِّرت مع التفضيل، لتقعَ النفسُ أولًا على الأَبْيَن. انتهى. وفي قوله لم يَقُلْ إليهما. ثم أَجابَ بما ذكَرَ نَظَرٌ لا يَخْفَى؛ لأنَّ العطفَ بـ: {أو} لا يُثنَّى معه الضميرُ ولا الخبرُ ولا الحالُ ولا الوصف؛ لأنها لأحدِ الشيئَيْن، ولذلك تأوَّل الناسُ {إنْ يكُنْ غنيًا أو فقيرًا فاللَّهُ أَوْلى بهما} كما قَدَّمتهُ في موضعِه، وإنما الجوابُ عنه: أنه وَحَدَّ الضميرَ لأنَّ العطفَ بـ: {أو} وإنما جيْءَ بضميرِ التجارة دونَ ضمير اللهوِ وإن كان جائزًا لِما ذكَره ابنُ عطيةَ مِنْ الجوابِ، وهو الاختمام كما قاله غيرُ واحدٍ. وقد قال الزمخشريُّ قريبًا ممَّا قاله ابنُ عطية فإنه قال: كيف قال: إليها، وقد ذكرَ شيئَيْن؟ قلت: تقديرُه: إذ رأوا تجارةً انفَضُّوا إليها أو لَهْوًا انفَضُّوا إليه، فحذف أحدهما لدلالة المذكورِ عليه، وكذلك قراءة مَنْ قرأ {انفَضُّوا إليه}. انتهى. قوله: قلتُ تقديرُه إلى آخره، يُشْعِرُ، بأنَّه كان حقُّ الكلام أَنْ يُثَنَّى الضمير، ولكنه حُذِف. وفيه ما قَدَّمتُه لك: مِنْ أنَّ المانعَ مِن ذَلك أمرٌ صناعيٌ وهو العطفُ بـ: {أو}.
وقرأ ابن أبي عبلةَ {إليه} أعاد الضميرَ إلى اللهو وقد نَصَّ على جوازِ ذلك الأخفش سَماعًا من العرب نحو: (إذا جاءك زيد أو هند فأَكْرِمه) وإن شئْتَ (فأكرِمْها). وقرأ بعضهُم {إليهما} بالتثنية. وتخريجُها كتخريجِ {إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} [النساء: 135] وقد تقدَّم تحريرُه.
قوله: {وَتَرَكُوكَ} جملة حاليةٌ مِنْ فاعل {انفَضُّوا} و{قد} مقدرةٌ عند بعضِهم وقوله: {مَا عِندَ الله خَيْرٌ} (ما) موصولَةٌ مبتدأ، و{خيرٌ} خبرُها. اهـ.